(يا ابن آدم... إنما أنت أيام..وكلما ذهب يوم.. ذهب بعضك, ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل, وأنت تعلم.. فاعمل) .
هذا هو أحد الأقوال المأثورة للحسن البصري,والذي يجعل الإنسان يستفيق إلي دنو أجله وانقضاء عمره لكيلا يركن إلا لعمله وزاده من الدنيا' وتزودوا فإن خير الزاد التقوي' صدق الله العظيم.
هو الحسن البصري واسمه بالكامل أبو سعيد الحسن بن يسار البصري, وكان أبوه من أهل ميسان, وأمه( خيرة) مولاة أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وسلم. وقد ولد بالمدينة المنورة عام21 هـ/642 م, ونشأ وتربي في بيت أم سلمة زوج رسول الله صلي الله عليه وسلم. وكان للبيئة الحسنة التي نشأ فيها الحسن البصري( رحمه الله) أكبر الأثر في تكوين شخصيته العظيمة وتكاملها, فقد نشأ بين الصحابة والتابعين, وتربي علي أيديهم, ونهل من علمهم, وصفت نفسه برؤيتهم ومجالستهم والسماع منهم.
وقد قيل للحسن البصري يوما: ما سر زهدك في الدنيا ؟فقال: علمت بأن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي له, وعلمت بأن عملي لايقوم به غيري فاشتغلت به, وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن أقابله علي معصية, وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله.
وكان الحسن البصري يهتم بالجوهر لا بالمظهر..وبالعمل بما يعلمه الفرد بعيدا عن المظاهر أو النفاق فيقول: حملة القرآن ثلاثة: رجل اتخذه بضاعةينقله من بلد إلي بلد يطلب ما عند الناس, ورجل حفظ حروفه وضيع حدوده واستدر به عطف الولاة واستطال به علي الناس, ورجل علم ما فيه وحفظه وعمل به داعيا وعابدا, وهو خيرالثلاثة.
ولقد كتب الحسن البصري إلي عمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالي يعظه قائلا: إن الدنيا حلم, والآخرة يقظة, والموت قريب, ونحن في أضغاث أحلام, فمن حاسب نفسه ربح, ومن غفل عنها خسر, ومن نظر إلي العواقب نجا, ومن أطاع هواه ضل, ومن حلم غنم, ومن خاف سلم, ومن اعتبر أبصر, ومن أبصر فهم, ومن فهم علم, ومن علم عمل,فإذا زللت فارجع, وإذا ندمت فاقلع, وإذا جهلت فاسأل, وإذا غضبت فأمسك, وإن المؤمن يصبح حزينا ويمسي حزينا ولا يسعه غير ذلك; لأنه بين مخافتين: بين ذنب قد مضي لا يدري ما الله يصنع فيه, وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من المهالك.
ومن الأقوال المأثورة للحسن البصري رحمه الله:
ـ إن لأهل التقوي علامات يعرفون بها:صدق الحديث, ووفاء بالعهد, وصلة الرحم, ورحمة الضعفاء, وقلة المباهاة للناس, وحسن الخلق, وسعة الخلق فيما يقرب إلي الله.
ـ يا ابن آدم: إنك ناظر إلي عملك غدا, يوزن خيره وشره, فلا تحقرن من الخير شيئا و إن صغر, فإنك إذا رأيته سرك مكانه, ولا تحقرن من الشر شيئا, فإنك إذا رأيته ساءك مكانه, فإياك ومحقرات الذنوب.
ـ رحم الله رجلا كسب طيبا, و أنفق قصدا, و قدم فضلا ليوم فقره و فاقته.
ـ يا ابن آدم: بع دنياك بآخرتك.. تربحهما جميعا, ولا تبيعن آخرتك بدنياك.. فتخسرهما جميعا.
ـ يا ابن آدم.. إياك و الظلم.. فإن الظلم ظلمات يوم القيامة..وليأتين أناس يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال.. فلا يزال يؤخذ منهم حتي يصبح الواحد منهم مفلسا, ثم يسحب إلي النار ؟
ـ يا ابن آدم.. إذا رأيت الرجل ينافس في الدنيا..فنافسه في الآخرة.
ـ أيها الناس:أحبوا هونا, و أبغضوا هونا, فقد أفرط أقوام في الحب..حتي هلكوا, وأفرط أقوام في البغض.. حتي هلكوا.
7 أيها الناس.. لقد كان الرجل إذا طلب العلم: يري ذلك في بصره و تخشعه, ولسانه, ويده, وصلاته, وصلته, وزهده, أما الآن..!!
فقد أصبح العلم( مصيدة), والكل يصيد أو يتصيدإلا من رحم ربك, وقليل ما هم.
والله ما صدق عبد بالنار..إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت, وإن المنافق المخدوع: لو كانت النار خلف هذا الحائط لم يصدق بها حتي يتهجم عليها فيراها!
ـ القلوب.. القلوب.. فإن القلوب تموت وتحيا, فإذا ماتت: فاحملوها علي الفرائض..فإذا هي أحييت: فأدبوها بالتطوع.
ـ يا قوم تصبروا و تشددوا فإنما هي ليال تعد, وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعي أحدكم فيجيب فيذهب به ولا يلتفت له,فاثبتوا بصالح الأعمال.
ـ ويحك يا ابن آدم هل لك بمحاربة الله طاقة ؟!إنه من عصي ربه فقد حاربه!
يا هذا..آدم الحزن علي خير الآخرة لعله يوصلك إليك. وابك في ساعات الخلوة..لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين.
ـ يا هذا رطب لسانك بذكر الله وند جفونك بالدموع من خشية الله, فوالله ما هو إلا حلول القرار: في الجنة أو النار, وليس هناك منزل ثالث, ومن أخطأته الرحمة صار والله إلي العذاب.
ـ يا هذا صاحب الدنيا بجسدك وفارقها بقلبك, وليزدك إعجاب أهلها بها زهدا فيهاوحذرا منها, فإن الصالحين كانوا كذلك.
ـ الموت.. الموت كل نفس ذائقة الموت
( آل عمران:185) ألا يحق لمن يعلم: أن الموت مورده, وأن الساعة موعده, والقيام بين يدي الله تعالي مشهده, ألا يحق له أن يطول حزنه.
ـ اعلم يا هذا أن المؤمن في الدنيا كالغريب لا يأنس في عزها ولا يجزع من ذلها, للناس حال وله حال, واحذر( الهوي) فشر داء خالط القلب: الهوي, واحرص علي العلم, وأفضل العلم: الورع والتوكل, واعلم أن العبد لايزال بخير طالما إذا ما قال.. قال لله, وإذا ما عمل.. عمل لله, واعلم أن أحب العباد إلي الله.. الذين يحببون( الله) إلي عباده, ويعملون في الأرض نصحا, واحذر الرشوة فإنها إذا دخلت من الباب.. خرجت الأمانة من النافذة, واحذر الدنيا فإنه قل من نجا منها,وليس العجب لمن هلك..كيف هلك ؟ولكن العجب لمن نجا.. كيف نجا ؟!فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة, وإلا فإني لا أخالك ناجيا. ورغم هذا فالدنيا كلها: أولها وآخرها ما هي إلا كرجل نام نومة فرأي في منامه بعض ما يحب ثم انتبه..