رغم مرور حوالي 31 عاما على توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، إلا أن مؤامرات إسرائيل ضد الأمن القومي المصري لم تتوقف يوما خاصة بعد تجرعها مرارة الهزيمة في حرب أكتوبر 1973 وفشل مغامراتها العسكرية في لبنان وغزة فيما بعد .
ففي 18 ديسمبر وبعد أيام من تفجر أزمة "القرش المفترس" في شرم الشيخ ، فوجيء الجميع بأنباء سقوط شبكة تجسس إسرائيلية جديدة في مصر .
وفيما ذكرت قناة "الجزيرة" أنه تم إلقاء القبض على عناصر شبكة التجسس قبل عدة أشهر ، كشفت بعض وسائل الإعلام المصرية أن معظم أفراد شبكة التجسس يعملون في شركة اتصالات مصرية وأن نيابة أمن الدولة العليا باشرت التحقيقات معهم .
ومن جانبها ، أوضحت مصادر أمنية مصرية أن التحقيقات مع المتهمين كشفت أنهم تجسسوا علي مكالمات دولية خاصة بمسئولين في أماكن حساسة بالدولة لصالح تل أبيب واستعانوا في ذلك بجهاز سويتش في أمريكا وأجهزة استقبال في إسرائيل.
بل واعترف المتهمون أيضا بأنهم تدربوا في إسرائيل علي يد ايفير الحريري وابراهام جادعون واشتروا أجهزة تصنت بـ 42 ألف دولار لوضعها في غزة بمساعدة فلسطينيين.
ورغم أن الحكومة اللبنانية أكدت مؤخرا تغلغل شبكات تجسس إسرائيلية في شركات اتصالات لبنانية كما سربت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تل أبيب تحتفظ بمحطة تجسس كبري في النقب تستطيع التنصت علي الاتصالات بكل أنواعها في عدة دول مجاورة ، إلا أن تزامن الكشف عن شبكة التجسس مع تفجر أزمة "القرش المفترس" إنما يؤكد أن مؤامرات إسرائيل ضد مصر مازالت ماضية في طريقها دون أدنى اعتبار لاتفاقية السلام .
تصريحات يادلين
ولعل التصريحات التي أدلى بها اللواء عاموس يادلين الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية "أمان" في 3 نوفمبر تؤكد هي الأخرى صحة ما سبق ، فخلال مراسم تسليم مهامه للجنرال أفيف كوخافى ، قال يادلين :" إن مصر هى الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية وإن العمل في مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 ".
ونقلت صحيفة "كل العرب" الإلكترونية التى يصدرها عرب 48 عن يادلين القول أيضا :" لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية لكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر".
وقدم يادلين الذي كان أحد المرشحين لرئاسة الموساد خلفاً للجنرال مائير داجان صورة تفصيلية لعمل الاستخبارات الحربية الإسرائيلية فى فترة رئاسته داخل أراضى عدد من الدول العربية مثل مصر والسودان وسوريا ولبنان.
واعترف في هذا الصدد بدور إسرائيلى واسع فى مساعدة الحركات الانفصالية بالجنوب السودانى ، قائلا :" لقد أنجزنا خلال السنوات الأربع والنصف الماضية كل المهام التى أوكلت إلينا واستكملنا العديد من التى بدأ بها الذين سبقونا ، أنجزنا عملاً عظيماً للغاية فى السودان، نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية فى جنوبه ودربنا العديد منها وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجيستية لمساعدتهم ونشرنا هناك فى الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية ونشرف حالياً على تنظيم الحركة الشعبية هناك وشكلنا لها جهازاً أمنياً استخبارياً".
وعلى صعيد العمل الاستخبارى الإسرائيلى فى الأراضى اللبنانية ، قال يادلين: "لقد أعدنا صياغة عدد كبير من شبكات التجسس لصالحنا فى لبنان، وشكلنا العشرات مؤخراً وصرفنا من الخدمة العشرات أيضاً وكان الأهم هو بسط كامل سيطرتنا على قطاع الاتصالات فى هذا البلد ، المورد المعلوماتى الذى أفادنا إلى الحد الذى لم نكن نتوقعه، كما أعدنا تأهيل عناصر أمنية داخل لبنان من رجال ميليشيات كانت على علاقة مع دولتنا منذ السبعينيات إلى أن نجحت وبإدارتنا فى العديد من عمليات الاغتيال والتفجير ضد أعدائنا فى لبنان وأيضاً سجلت أعمالاً رائعة فى إبعاد الاستخبارات والجيش السورى عن لبنان وفى حصار حزب الله".
واعتبر يادلين أن اغتيال القائد العسكرى اللبنانى عماد مغنية واحدا من أخطر العمليات التى قامت بها إسرائيل فى السنوات الأخيرة وأشار إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تطلق عليه الاسم الكودى "الساحر".
واستطرد "استطعنا الوصول إليه فى معقله الدافئ بدمشق والتى يصعب جداً العمل فيها، لكن نجاحنا فى ربط نشاط الشبكات العاملة فى لبنان والأراضي الفلسطينية وإيران والعراق والمغرب مكننا من إحكام الخناق حوله فى جحره الدمشقى وهذا يعتبر نصراً تاريخياً مميزاً لجهازنا على مدار السنين الطويلة".
وأشار يادلين أيضا إلى أن جهاز العمليات الإسرائيلى وصل إلى العمق الإيرانى ، وقال: "سجلنا فى إيران اختراقات عديدة وقمنا بأكثر من عملية اغتيال وتفجير لعلماء ذرة وقادة سياسيين وتمكنا من مراقبة البرنامج النووى الإيرانى الذى استطاع كل الغرب الاستفادة منه بالتأكيد ومن توقيف خطر التوجه النووى فى هذا البلد إلى المنطقة والعالم".
وفيما يتعلق بقطاع غزة، قال يادلين : "أما حركة حماس فإن الضربات يجب أن تتلاحق عليها فى الداخل والخارج، فحماس خطر شديد علينا ، لذلك من المفترض الانتهاء من إفشالها وتبديدها فى المدة المحددة بالبرنامج المقرر في عمل جهازنا بكل دقة".
قائمة الجواسيس
وبجانب تصريحات يادلين الاستفزازية السابقة والتي تتعارض بشكل صارخ مع تطبيع العلاقات وتبادل السفراء وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية بين مصر وإسرائيل منذ توقيع اتفاقية السلام في مارس عام 1979، فإن هناك سلسلة من عمليات التجسس الإسرائيلية التي تكشف نوايا إسرائيل ضد مصر وتؤكد الوجه القبيح للكيان الصهيوني .
ففي عام 2007 ، فوجيء المصريون بكشف عدد من شبكات التجسس التي كانت تعمل لصالح إسرائيل وكانت البداية في هذا الصدد في يناير 2007 عندما اعتقلت السلطات المصرية محمد عصام غنيم العطار وهو طالب أزهرى ويحمل الجنسية الكندية بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
وكشفت التحقيقات أن العطار تم تجنيده وتدريبه في تركيا عقب تعرفه على ضابط من الموساد الإسرائيلي هناك ساعده في الحصول على حق اللجوء الإنساني ، كما كشفت التحقيقات أن عملية التدريب في تركيا شملت كيفية الحصول علي معلومات وبيانات من المصريين والعرب المقيمين في الخارج وأرقام هواتفهم ومعرفة مزايا وعيوب كل شخص منهم يتم التعرف عليه.
وفى 21 إبريل 2007 ، أصدرت محكمة مصرية حكما بالسجن لمدة 15 عاما على العطار كما صدر حكم مماثل على ثلاثة ضباط مخابرات إسرائيليين متهمين مع العطار ويحاكمون غيابيا وهم دانيال ليفي وكمال كوشبا وتونجاي جومال ، كما فرضت المحكمة على المتهمين غرامة قدرها عشرة آلاف جنيه مصرى "1760دولارا" .
وفى 17 إبريل 2007 ، أمر النائب العام المصري بإحالة محمد سيد صابر وهو مهندس مصري يعمل بهيئة الطاقة الذرية ومعتقل منذ 18 فبراير 2007 ومواطن أيرلندي يدعى برايم بيتر ومواطن ياباني يدعى شيرو ايزرو والاثنين هاربين لمحكمة أمن الدولة العليا طوارىء لمحاكمتهم بتهمة التخابر لحساب إسرائيل.
وقال ممثل الادعاء العام المصري إن المهندس المصري التقى في هونج كونج مع المتهمين الآخرين وتقاضى منهما مبلغ سبعة عشر ألف دولار، بالإضافة إلى حاسب آلي محمول وقام مقابل ذلك بامدادهما بأوراق ومستندات سرية تتعلق بخطة مصر في المجال النووي ولاسيما وثائق تتعلق بمفاعل "أنشاص" التابع لوزارة الكهرباء المصرية.
وأضاف أن المهندس المصري أدخل برنامج تجسس على الحواسيب الخاصة بهيئة الطاقة الذرية وذلك لصالح الموساد الإسرائيلي ، مشيرا إلى أن صابر كان يتردد على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة منذ شهر مايو عام 1999 وقدم طلبا للحصول على منحة دراسية في مجال الهندسة النووية في جامعة تل أبيب كما قام المتهم بزيارة إسرائيل لعدة مرات ولذا وضعته المخابرات العامة المصرية تحت المراقبة الدقيقة إلى أن تم القبض عليه فى 18 فبراير .
كما ألقت أجهزة الأمن المصرية في عام 1997 أيضا القبض على سمير عثمان أثناء قيامه بالتجسس مرتدياً بدلة غوص، وذلك أثناء محاولته التسلل من المياه الإقليمية إلى المياه الاسرائيلية ، معترفا بأنه كان يتنقل بين اليونان والسودان وليبيا وتل أبيب بواسطة أربعة جوازات سفر كان يستخدمها في تنقلاته.
وتبقى أشهر عمليات التجسس قضية الجاسوس عزام عزام الذى تم إلقاء القبض على الشبكة التي يتزعمها عام 1996 ، حيث كانت مهمته جمع معلومات عن المصانع الموجودة في المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان من حيث النشاط والحركة الاقتصادية ، وكانت وسيلة عزام جديدة للغاية وهي إدخال ملابس داخلية مشبعة بالحبر السري قادمة من إسرائيل مع عماد إسماعيل الذي جنده عزام.
وقد تدخل للإفراج عنه ثلاثة رؤساء وزراء في إسرائيل هم بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وارييل شارون وحتي الإدارة الأمريكية توسطت عند مصر للإفراج عنه ، وأفرج عنه بالفعل مع بدايات عام 2005 بدعوى أنه قضى نصف المدة .
وفي عام 2001 ، تم القبض على جاسوس آخر اسمه شريف الفيلالي بتهمة جمع معلومات خطيرة حول الأوضاع الاقتصادية ومدى الاستقرار السياسي في مصر والتطورات التي تمر بها القوات المسلحة المصرية ، مستغلاً علاقته بابن عمه الضابط السابق بالقوات البحرية المصرية ، وعثر على الفيلالي منتحرا وهو بداخل السجن في 2007 .
ويبدو أن الأيام المقبلة ستكشف المزيد من جواسيس إسرائيل ، فالأصل في الكيان الصهيوني هو التجسس لأن اليهود لا يثقون فى الآخرين حتى وإن كان هذا الآخر هو أصدق أصدقائهم ، فواشنطن تكشف كل فترة عن شبكة إسرائيلية للتجسس عليها ، ولذا فإن إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل لا يعني أنها لاتنظر إلي مصر بوصفها عدواً فهى تسعي إلي جمع كل المعلومات وبكل الطرق عن مصر لأنها تتعامل مع السلام كحالة مؤقتة وفترة يراد بها عزل مصر عن محيطها العربي وتقليص دورها في الصراع العربي الإسرائيلي .
بل هناك أيضا ما هو أخطر مما سبق ، حيث أنه بالتزامن مع تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية ، كثر الحديث في إسرئيل عن ضرورة تنفيذ مخطط صهيوني أمريكي قديم يقضي بإقامة دولة فلسطينية في شبه جزيرة سيناء ويعرف باسم "غزة الكبرى" .
ودعا الحاخام اليهودي يونا متزغر في هذا الصدد بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمساعدة في نقل سكان غزة لصحراء سيناء ، قائلا خلال مقابلة مع صحيفة "ذي جويش نيوز" البريطانية في 28 يناير 2008 :" يجب نقل الفقراء من سكان غزة إلى بلد جميل وعصري تتوفر فيه القطارات والحافلات والسيارات كما هو الحال في ولاية أريزونا الأمريكية ، إننا الآن في عصر يمكن فيه بناء مدن في الصحراء ، إن هذا سيكون حلا للفقراء إذ سيكون لهم بلدهم كما سيكون لنا بلدنا وسنستطيع العيش بسلام".
وعلق السياسي الفلسطيني حسن عصفور على تصريحات متزغر قائلا إن المخطط الإسرائيلي يعود إلي عام 1955 عندما ظهرت خطة جونستون لتوطين الفلسطينيين في سيناء التي رفضها الفلسطينيون وخرجوا رافعين شعار "لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان" ، مشيرا إلي أن هذا المخطط هو أمريكي في الأساس.
وأضاف أن المخطط الشيطاني السابق يستند لفرضية تضاؤل فرص قيام دولة فلسطينية متصلة علي الضفة الغربية وقطاع غزة واحتمال تطور الأمر بالنهاية إلي نسف فكرة الدولتين وترحيل إدارة الضفة إلي الأردن حتي في ظل إدارة مدنية فلسطينية ، في حين يتم إلقاء عبء قطاع غزة علي مصر.
أعمال إرهابية
بل وكشفت تقارير صحفية مؤخرا أن من ضمن مخططات إسرائيل ضد سيناء أيضا تنفيذ أعمال إرهابية تستهدف بعض الأجانب ومقرات للقوات الدولية لخلق جو من التوتر على أمل ممارسة الضغوط على مصر للإسراع بخطة عزل غزة تماما أو السماح بتوطين الفلسطينيين في سيناء وتنفيذ مقولة إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق والتي أكد فيها أن إسرائيل ستوجد ظروفا في السنوات المقبلة من شأنها دفع الفلسطينيين لهجرة طبيعية وطوعية من قطاع غزة والضفة الغربية والتي سرعان ما فسرتها تقارير صحفية إسرائيلية بحالة الحصار التي عاني منها قطاع غزة وقام خلالها فلسطينيون بتحطيم الحواجز على الحدود وعبور بوابة صلاح الدين إلي العريش المصرية.
وجاء في تقرير لصحيفة "البيان" الإماراتية أن السلطات المصرية قامت في يناير 2008 بالبحث عن مجموعة يعتقد أنها تابعة للمخابرات الإسرائيلية كانت تخطط لتنفيذ أعمال إرهابية في سيناء وهي تتكون من خمسة أفراد من أصول عربية وفلسطينية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مصري مطلع قوله إنه تم إلقاء القبض على شخص معه بعض المعدات التي لاتتوافر إلا لأجهزة الاستخبارات الكبرى ومن بينها الموساد الإسرائيلي ، مشيراً إلى أن هناك خمسة أشخاص تلقوا أوامر من داخل إسرائيل لتنفيذ بعض الهجمات في سيناء .
كما كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية للصحيفة أن السفارات الإسرائيلية في لندن وباريس وواشنطن تلقت تعليمات بالبدء في تسريب بعض المعلومات التي تفيد بأن تنظيم "القاعدة" وبعض الجماعات الفلسطينية تعد للقيام ببعض الأعمال "الإرهابية" في سيناء بهدف توتير العلاقات بين مصر وغزة.
ما سبق يفسر كثيرا من الغموض حول ما يحدث على الحدود بين مصر وغزة بل ويؤكد أيضا بما لايدع مجالا للشك أن إسرائيل مازالت تئن تحت وطأة الهزيمة في حرب 6 أكتوبر 1973 كما أن أطماعها في سيناء لم تتوقف يوما .
ورغم ما تحقق في سيناء من تنمية خلال السنوات الماضية إلا أنها مازالت في حاجة إلى كافة الجهود لتعمير كل شبر فيها وتحويلها إلى بقعة مأهولة بالسكان لحماية أمن مصر القومى من أي تهديد محتمل خاصة وأن افتقادها للكثافة السكانية كان عنصر خلل واضح دخل منه الغزاة إلى مصر عبر التاريخ كالهكسوس والصليبيين والإسرائيليين ، ولذا فإنه ما من بديل سوى تكثيف الوجود البشري في أرض الفيروز لكسر سم الطامعين في أرض مصر .
وتبقى حقيقة هامة وهي أن محاولات إسرائيل المتواصلة لزعزعة الاستقرار في مصر لم ولن تسفر عن شيء لحكمة وفطنة القيادة السياسية ويقظة السطات الأمنية والعسكرية المصرية ، بالإضافة لتوحد الشعب المصري حول رفض المساس بأمن الوطن
ففي 18 ديسمبر وبعد أيام من تفجر أزمة "القرش المفترس" في شرم الشيخ ، فوجيء الجميع بأنباء سقوط شبكة تجسس إسرائيلية جديدة في مصر .
وفيما ذكرت قناة "الجزيرة" أنه تم إلقاء القبض على عناصر شبكة التجسس قبل عدة أشهر ، كشفت بعض وسائل الإعلام المصرية أن معظم أفراد شبكة التجسس يعملون في شركة اتصالات مصرية وأن نيابة أمن الدولة العليا باشرت التحقيقات معهم .
ومن جانبها ، أوضحت مصادر أمنية مصرية أن التحقيقات مع المتهمين كشفت أنهم تجسسوا علي مكالمات دولية خاصة بمسئولين في أماكن حساسة بالدولة لصالح تل أبيب واستعانوا في ذلك بجهاز سويتش في أمريكا وأجهزة استقبال في إسرائيل.
بل واعترف المتهمون أيضا بأنهم تدربوا في إسرائيل علي يد ايفير الحريري وابراهام جادعون واشتروا أجهزة تصنت بـ 42 ألف دولار لوضعها في غزة بمساعدة فلسطينيين.
ورغم أن الحكومة اللبنانية أكدت مؤخرا تغلغل شبكات تجسس إسرائيلية في شركات اتصالات لبنانية كما سربت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تل أبيب تحتفظ بمحطة تجسس كبري في النقب تستطيع التنصت علي الاتصالات بكل أنواعها في عدة دول مجاورة ، إلا أن تزامن الكشف عن شبكة التجسس مع تفجر أزمة "القرش المفترس" إنما يؤكد أن مؤامرات إسرائيل ضد مصر مازالت ماضية في طريقها دون أدنى اعتبار لاتفاقية السلام .
تصريحات يادلين
ولعل التصريحات التي أدلى بها اللواء عاموس يادلين الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية "أمان" في 3 نوفمبر تؤكد هي الأخرى صحة ما سبق ، فخلال مراسم تسليم مهامه للجنرال أفيف كوخافى ، قال يادلين :" إن مصر هى الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية وإن العمل في مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 ".
ونقلت صحيفة "كل العرب" الإلكترونية التى يصدرها عرب 48 عن يادلين القول أيضا :" لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية لكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر".
وقدم يادلين الذي كان أحد المرشحين لرئاسة الموساد خلفاً للجنرال مائير داجان صورة تفصيلية لعمل الاستخبارات الحربية الإسرائيلية فى فترة رئاسته داخل أراضى عدد من الدول العربية مثل مصر والسودان وسوريا ولبنان.
واعترف في هذا الصدد بدور إسرائيلى واسع فى مساعدة الحركات الانفصالية بالجنوب السودانى ، قائلا :" لقد أنجزنا خلال السنوات الأربع والنصف الماضية كل المهام التى أوكلت إلينا واستكملنا العديد من التى بدأ بها الذين سبقونا ، أنجزنا عملاً عظيماً للغاية فى السودان، نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية فى جنوبه ودربنا العديد منها وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجيستية لمساعدتهم ونشرنا هناك فى الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية ونشرف حالياً على تنظيم الحركة الشعبية هناك وشكلنا لها جهازاً أمنياً استخبارياً".
وعلى صعيد العمل الاستخبارى الإسرائيلى فى الأراضى اللبنانية ، قال يادلين: "لقد أعدنا صياغة عدد كبير من شبكات التجسس لصالحنا فى لبنان، وشكلنا العشرات مؤخراً وصرفنا من الخدمة العشرات أيضاً وكان الأهم هو بسط كامل سيطرتنا على قطاع الاتصالات فى هذا البلد ، المورد المعلوماتى الذى أفادنا إلى الحد الذى لم نكن نتوقعه، كما أعدنا تأهيل عناصر أمنية داخل لبنان من رجال ميليشيات كانت على علاقة مع دولتنا منذ السبعينيات إلى أن نجحت وبإدارتنا فى العديد من عمليات الاغتيال والتفجير ضد أعدائنا فى لبنان وأيضاً سجلت أعمالاً رائعة فى إبعاد الاستخبارات والجيش السورى عن لبنان وفى حصار حزب الله".
واعتبر يادلين أن اغتيال القائد العسكرى اللبنانى عماد مغنية واحدا من أخطر العمليات التى قامت بها إسرائيل فى السنوات الأخيرة وأشار إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تطلق عليه الاسم الكودى "الساحر".
واستطرد "استطعنا الوصول إليه فى معقله الدافئ بدمشق والتى يصعب جداً العمل فيها، لكن نجاحنا فى ربط نشاط الشبكات العاملة فى لبنان والأراضي الفلسطينية وإيران والعراق والمغرب مكننا من إحكام الخناق حوله فى جحره الدمشقى وهذا يعتبر نصراً تاريخياً مميزاً لجهازنا على مدار السنين الطويلة".
وأشار يادلين أيضا إلى أن جهاز العمليات الإسرائيلى وصل إلى العمق الإيرانى ، وقال: "سجلنا فى إيران اختراقات عديدة وقمنا بأكثر من عملية اغتيال وتفجير لعلماء ذرة وقادة سياسيين وتمكنا من مراقبة البرنامج النووى الإيرانى الذى استطاع كل الغرب الاستفادة منه بالتأكيد ومن توقيف خطر التوجه النووى فى هذا البلد إلى المنطقة والعالم".
وفيما يتعلق بقطاع غزة، قال يادلين : "أما حركة حماس فإن الضربات يجب أن تتلاحق عليها فى الداخل والخارج، فحماس خطر شديد علينا ، لذلك من المفترض الانتهاء من إفشالها وتبديدها فى المدة المحددة بالبرنامج المقرر في عمل جهازنا بكل دقة".
قائمة الجواسيس
وبجانب تصريحات يادلين الاستفزازية السابقة والتي تتعارض بشكل صارخ مع تطبيع العلاقات وتبادل السفراء وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية بين مصر وإسرائيل منذ توقيع اتفاقية السلام في مارس عام 1979، فإن هناك سلسلة من عمليات التجسس الإسرائيلية التي تكشف نوايا إسرائيل ضد مصر وتؤكد الوجه القبيح للكيان الصهيوني .
ففي عام 2007 ، فوجيء المصريون بكشف عدد من شبكات التجسس التي كانت تعمل لصالح إسرائيل وكانت البداية في هذا الصدد في يناير 2007 عندما اعتقلت السلطات المصرية محمد عصام غنيم العطار وهو طالب أزهرى ويحمل الجنسية الكندية بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
وكشفت التحقيقات أن العطار تم تجنيده وتدريبه في تركيا عقب تعرفه على ضابط من الموساد الإسرائيلي هناك ساعده في الحصول على حق اللجوء الإنساني ، كما كشفت التحقيقات أن عملية التدريب في تركيا شملت كيفية الحصول علي معلومات وبيانات من المصريين والعرب المقيمين في الخارج وأرقام هواتفهم ومعرفة مزايا وعيوب كل شخص منهم يتم التعرف عليه.
وفى 21 إبريل 2007 ، أصدرت محكمة مصرية حكما بالسجن لمدة 15 عاما على العطار كما صدر حكم مماثل على ثلاثة ضباط مخابرات إسرائيليين متهمين مع العطار ويحاكمون غيابيا وهم دانيال ليفي وكمال كوشبا وتونجاي جومال ، كما فرضت المحكمة على المتهمين غرامة قدرها عشرة آلاف جنيه مصرى "1760دولارا" .
وفى 17 إبريل 2007 ، أمر النائب العام المصري بإحالة محمد سيد صابر وهو مهندس مصري يعمل بهيئة الطاقة الذرية ومعتقل منذ 18 فبراير 2007 ومواطن أيرلندي يدعى برايم بيتر ومواطن ياباني يدعى شيرو ايزرو والاثنين هاربين لمحكمة أمن الدولة العليا طوارىء لمحاكمتهم بتهمة التخابر لحساب إسرائيل.
وقال ممثل الادعاء العام المصري إن المهندس المصري التقى في هونج كونج مع المتهمين الآخرين وتقاضى منهما مبلغ سبعة عشر ألف دولار، بالإضافة إلى حاسب آلي محمول وقام مقابل ذلك بامدادهما بأوراق ومستندات سرية تتعلق بخطة مصر في المجال النووي ولاسيما وثائق تتعلق بمفاعل "أنشاص" التابع لوزارة الكهرباء المصرية.
وأضاف أن المهندس المصري أدخل برنامج تجسس على الحواسيب الخاصة بهيئة الطاقة الذرية وذلك لصالح الموساد الإسرائيلي ، مشيرا إلى أن صابر كان يتردد على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة منذ شهر مايو عام 1999 وقدم طلبا للحصول على منحة دراسية في مجال الهندسة النووية في جامعة تل أبيب كما قام المتهم بزيارة إسرائيل لعدة مرات ولذا وضعته المخابرات العامة المصرية تحت المراقبة الدقيقة إلى أن تم القبض عليه فى 18 فبراير .
كما ألقت أجهزة الأمن المصرية في عام 1997 أيضا القبض على سمير عثمان أثناء قيامه بالتجسس مرتدياً بدلة غوص، وذلك أثناء محاولته التسلل من المياه الإقليمية إلى المياه الاسرائيلية ، معترفا بأنه كان يتنقل بين اليونان والسودان وليبيا وتل أبيب بواسطة أربعة جوازات سفر كان يستخدمها في تنقلاته.
وتبقى أشهر عمليات التجسس قضية الجاسوس عزام عزام الذى تم إلقاء القبض على الشبكة التي يتزعمها عام 1996 ، حيث كانت مهمته جمع معلومات عن المصانع الموجودة في المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان من حيث النشاط والحركة الاقتصادية ، وكانت وسيلة عزام جديدة للغاية وهي إدخال ملابس داخلية مشبعة بالحبر السري قادمة من إسرائيل مع عماد إسماعيل الذي جنده عزام.
وقد تدخل للإفراج عنه ثلاثة رؤساء وزراء في إسرائيل هم بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وارييل شارون وحتي الإدارة الأمريكية توسطت عند مصر للإفراج عنه ، وأفرج عنه بالفعل مع بدايات عام 2005 بدعوى أنه قضى نصف المدة .
وفي عام 2001 ، تم القبض على جاسوس آخر اسمه شريف الفيلالي بتهمة جمع معلومات خطيرة حول الأوضاع الاقتصادية ومدى الاستقرار السياسي في مصر والتطورات التي تمر بها القوات المسلحة المصرية ، مستغلاً علاقته بابن عمه الضابط السابق بالقوات البحرية المصرية ، وعثر على الفيلالي منتحرا وهو بداخل السجن في 2007 .
ويبدو أن الأيام المقبلة ستكشف المزيد من جواسيس إسرائيل ، فالأصل في الكيان الصهيوني هو التجسس لأن اليهود لا يثقون فى الآخرين حتى وإن كان هذا الآخر هو أصدق أصدقائهم ، فواشنطن تكشف كل فترة عن شبكة إسرائيلية للتجسس عليها ، ولذا فإن إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل لا يعني أنها لاتنظر إلي مصر بوصفها عدواً فهى تسعي إلي جمع كل المعلومات وبكل الطرق عن مصر لأنها تتعامل مع السلام كحالة مؤقتة وفترة يراد بها عزل مصر عن محيطها العربي وتقليص دورها في الصراع العربي الإسرائيلي .
بل هناك أيضا ما هو أخطر مما سبق ، حيث أنه بالتزامن مع تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية ، كثر الحديث في إسرئيل عن ضرورة تنفيذ مخطط صهيوني أمريكي قديم يقضي بإقامة دولة فلسطينية في شبه جزيرة سيناء ويعرف باسم "غزة الكبرى" .
ودعا الحاخام اليهودي يونا متزغر في هذا الصدد بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمساعدة في نقل سكان غزة لصحراء سيناء ، قائلا خلال مقابلة مع صحيفة "ذي جويش نيوز" البريطانية في 28 يناير 2008 :" يجب نقل الفقراء من سكان غزة إلى بلد جميل وعصري تتوفر فيه القطارات والحافلات والسيارات كما هو الحال في ولاية أريزونا الأمريكية ، إننا الآن في عصر يمكن فيه بناء مدن في الصحراء ، إن هذا سيكون حلا للفقراء إذ سيكون لهم بلدهم كما سيكون لنا بلدنا وسنستطيع العيش بسلام".
وعلق السياسي الفلسطيني حسن عصفور على تصريحات متزغر قائلا إن المخطط الإسرائيلي يعود إلي عام 1955 عندما ظهرت خطة جونستون لتوطين الفلسطينيين في سيناء التي رفضها الفلسطينيون وخرجوا رافعين شعار "لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان" ، مشيرا إلي أن هذا المخطط هو أمريكي في الأساس.
وأضاف أن المخطط الشيطاني السابق يستند لفرضية تضاؤل فرص قيام دولة فلسطينية متصلة علي الضفة الغربية وقطاع غزة واحتمال تطور الأمر بالنهاية إلي نسف فكرة الدولتين وترحيل إدارة الضفة إلي الأردن حتي في ظل إدارة مدنية فلسطينية ، في حين يتم إلقاء عبء قطاع غزة علي مصر.
أعمال إرهابية
بل وكشفت تقارير صحفية مؤخرا أن من ضمن مخططات إسرائيل ضد سيناء أيضا تنفيذ أعمال إرهابية تستهدف بعض الأجانب ومقرات للقوات الدولية لخلق جو من التوتر على أمل ممارسة الضغوط على مصر للإسراع بخطة عزل غزة تماما أو السماح بتوطين الفلسطينيين في سيناء وتنفيذ مقولة إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق والتي أكد فيها أن إسرائيل ستوجد ظروفا في السنوات المقبلة من شأنها دفع الفلسطينيين لهجرة طبيعية وطوعية من قطاع غزة والضفة الغربية والتي سرعان ما فسرتها تقارير صحفية إسرائيلية بحالة الحصار التي عاني منها قطاع غزة وقام خلالها فلسطينيون بتحطيم الحواجز على الحدود وعبور بوابة صلاح الدين إلي العريش المصرية.
وجاء في تقرير لصحيفة "البيان" الإماراتية أن السلطات المصرية قامت في يناير 2008 بالبحث عن مجموعة يعتقد أنها تابعة للمخابرات الإسرائيلية كانت تخطط لتنفيذ أعمال إرهابية في سيناء وهي تتكون من خمسة أفراد من أصول عربية وفلسطينية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مصري مطلع قوله إنه تم إلقاء القبض على شخص معه بعض المعدات التي لاتتوافر إلا لأجهزة الاستخبارات الكبرى ومن بينها الموساد الإسرائيلي ، مشيراً إلى أن هناك خمسة أشخاص تلقوا أوامر من داخل إسرائيل لتنفيذ بعض الهجمات في سيناء .
كما كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية للصحيفة أن السفارات الإسرائيلية في لندن وباريس وواشنطن تلقت تعليمات بالبدء في تسريب بعض المعلومات التي تفيد بأن تنظيم "القاعدة" وبعض الجماعات الفلسطينية تعد للقيام ببعض الأعمال "الإرهابية" في سيناء بهدف توتير العلاقات بين مصر وغزة.
ما سبق يفسر كثيرا من الغموض حول ما يحدث على الحدود بين مصر وغزة بل ويؤكد أيضا بما لايدع مجالا للشك أن إسرائيل مازالت تئن تحت وطأة الهزيمة في حرب 6 أكتوبر 1973 كما أن أطماعها في سيناء لم تتوقف يوما .
ورغم ما تحقق في سيناء من تنمية خلال السنوات الماضية إلا أنها مازالت في حاجة إلى كافة الجهود لتعمير كل شبر فيها وتحويلها إلى بقعة مأهولة بالسكان لحماية أمن مصر القومى من أي تهديد محتمل خاصة وأن افتقادها للكثافة السكانية كان عنصر خلل واضح دخل منه الغزاة إلى مصر عبر التاريخ كالهكسوس والصليبيين والإسرائيليين ، ولذا فإنه ما من بديل سوى تكثيف الوجود البشري في أرض الفيروز لكسر سم الطامعين في أرض مصر .
وتبقى حقيقة هامة وهي أن محاولات إسرائيل المتواصلة لزعزعة الاستقرار في مصر لم ولن تسفر عن شيء لحكمة وفطنة القيادة السياسية ويقظة السطات الأمنية والعسكرية المصرية ، بالإضافة لتوحد الشعب المصري حول رفض المساس بأمن الوطن